:basmalah:
تنظيم الوقت في الإسلام
من هدى رسول الله
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم. قال كانت أمثالا كلها، منها، وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ساعات، فساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيها في صنع الله عز وجل، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب. رواه ابن حبان في صحيحه.
في هذا الحديث نرى كيف أن رسالات السماء جميعا قد استهدفت خير الإنسان وحرصت على تزويده بكل ما ينفعه ودفع كل ما يؤذيه ويضره، وبينت أن أغلى ما يملك الإنسان في هذه الحياة هو عمره، الذي قدر له أن يحياه، وأنه الثروة الحقيقية التي إذا ضاع منها شيء لم يتعلق بعودته أمل، وإن الأجل طال أو قصر إنما يأخذ قدره من مقدار ما أنفقه فيه ومن أثر ذلك في الفرد والمجتمع الذي يحيط به.
إنه الأمانة التي استودعه الله إياها ووكل إليه حفظها، والنعمة المسداة له، والتي طالبه بشكرها، وحذره مغبة إساءة استخدامها أو خيانتها.
والإسلام دين يعرف قيمة الوقت، ويقدر خطورة الزمن، ويؤكد الحكمة الغالية “الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك” كما يلفت نظر اللاهين إلى ضرورة اغتنام الوقت في إثراء الحياة بما يعود بالخير على الفرد والمجتمع.
والمسلم الحقيقي يغالي بالوقت مغالاة شديدة لأن الوقت عمره. فإذا سمح بضياعه وترك العوادي تلتهمه فهو عدو نفسه ومصيره في الهالكين.
إن الإنسان ليسير حثيثا إلى الله. وكل دورة للفلك تتمخض عن صباح جديد ليست إلا مرحلة من مراحل الطريق الذي تتوقف فيه أبدا. ورحم الله الحسن البصري إذ يقول “ما من يوم ينشق فجره إلا نادى مناد من قبل الحق: يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني بعمل صالح فإني لا أعود إلى يوم القيامة”.
ومن منطلق التدريب على استخدام الوقت الاستخدام الأمثل رأينا رب العزة تبارك وتعالى جعل اليوم الذي يقطعه المرء من عمره قسمين “ليلا ونهارا”، وجعل لكل منهما وظيفة محددة قال تعالى: “وَجَعَلْنَا الليْلَ لِبَاساً وَجَعَلْنَا النهَارَ مَعَاشا”.
أي وجعلنا الليل الذي يقع فيه النوم غالبا لباسا يستركم بظلامه كما يستركم اللباس، وجعل الله النهار وقت التقلب والحركة في تحصيل المعاش، وليس معنى ذلك أن يجعله الإنسان وقفا على الكسب والعمل للدنيا فقد وزع الإسلام عباداته الكبرى على أجزاء اليوم وفصول العالم فالصلوات الخمس تكتنف اليوم كله على مدار فصول العام وشهر الصوم من بين أشهر السنة، ويوم الصوم متى يبدأ ومتى ينتهي، وأشهر الحج متى تبدأ ومتى تنتهي كما كان ذلك في الزكاة بأنواعها. وهكذا يقول الله سبحانه: “وَجَعَلْنَا الليْلَ وَالنهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ الليْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً من ربكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُل شَيْءٍ فَصلْنَاهُ تَفْصِيلاً”.
لقد جعل الله الليل والنهار آيتين دالتين على قدرته وبديع صنعه وإحكام نظامه لما فيهما من الظلام الدامس والنور الساطع وما فيهما من تعاقب واختلاف.
وقوله: “فَمَحَوْنَا آيَةَ الليْلِ” أي جعلناها ممحوة الضوء والحركة. لا أنها كانت مضيئة ثم محيت. وفي هذا إشارة إلى هدوء الليل وسكونه: “وَجَعَلْنَا آيَةَ النهَارِ مُبْصِرَةً” يبصر فيها الرائي وينظر إلى ما حوله فيحس به ويتحرك وهكذا تنبعث الحياة والحركة، ويولد النشاط والعمل، لتبتغوا بذلك فضلا من ربكم ورزقا. فالرزق بالسعي والحركة والعمل والله الموفق.
“وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنِينَ وَالْحِسَابَ” فإنه لو كان شيء من ذلك كله نسقا واحدا وأسلوبا متساويا لما عرف شيء من ذلك.
فضلا عن أن الله سبحانه وقد جعل الليل سكنا وسترا وراحة من معاناة العمل في النهار فقد كان الوقت الذي أراده الله ليقضي المرء سحابته بإعطاء الجسم من الراحة ما به ينشط للعمل نهاره، وذلك بالنوم الذي جعله الله سبيلا يخلص المرء من التعب والألم، قال تعالى: “وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنِينَ وَالْحِسَابَ”.
إذ السبات الموت والمراد جعلنا نومكم كالموت، والمادة تدل على القطع فالنوم يقطع التعب والألم. والموت يقطع الحياة، أي جعلنا نومكم راحة لأبدانكم وأنها لحكمة بالغة أن كان النوم ليلا حتى يأخذ المرء قسطا من الراحة ييسر له اغتنام فرصة يذكر فيها الله عز وجل حيث تحلو مناجاة الحق سبحانه والمثول بين يديه وتلاوة كلامه الأمر الذي قد لا يتوفر له في النهار قال تعالى: “إِن لَكَ فِي اَلنهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً”. أي عملا كثيرا سريعا. وأصل السبح العوم على وجه الماء أو سرعة الجري، ثم استعمل في العمل السريع الكثير قال تعالى: “إِن رَبكَ يَعْلَمُ أَنكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ الليْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ منَ الذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدرُ الليْلَ وَالنهَارَ عَلِمَ أَن لن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسرَ مِنَ الْقُرْآنِ”.
قال مقاتل: كان الرجل يصلي الليل كله مخافة ألا يصيب مما أمر به من قيام ما فرض عليه. فنزلت وعلى هذا النهج سار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا يجعلون ليلهم بين عبادتهم وحاجتهم.
فعن أبي جحفة وهب بن عبد الله قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدنيا فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال له كل فإني صائم، فقال له ما أنا بآكل حتى تأكل. فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم فقال له نم فنام. ثم ذهب يقوم فقال له نم. فلما كان آخر الليل قال له سلمان قم الآن فصلها جميعا، فقال له سلمان إن لربك عليك حقا وإن لنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق سلمان.
والمتأمل في ذلك يرى أن الإسلام بيسره وسماحته يلبي أشواق الروح ومطالب الجسد. فلم يطلب من المسلم أن ينقطع للعبادة ولا يمارس عملا للحياة، كما لم يرض له أن يرتمي في أحضان المادة ويجرفه تيارها دون تفكير في أداء حق العبودية لمولاه، قال تعالى: “وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ
_______________
محمد عماد